فصل: بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ:

(وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ، فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ) لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ».
الشرح:
بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ:
حَدِيثٌ: رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ شُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ وَمِنْ حَدِيثِ غُطَيْفٍ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَقَالَ: مَعْنَاهُ إذَا اسْتَحَلَّ، وَلَمْ يَقْبَلْ التَّحْرِيمَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ»، الْحَدِيثَ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ: أَخْرَجُوهُ إلَّا النَّسَائِيَّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ»، إلَى آخِرِهِ: وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «إذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ»، الْحَدِيثَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: هُوَ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ»، إلَى آخِرِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، مُحِيلًا عَلَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ: إنْ شَرِبَهَا فَاقْتُلُوهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي غُطَيْفٍ فِي الْخَامِسَةِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَنْبَأَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَاقْتُلُوهُ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرَفَعَ الْقَتْلَ، وَكَانَتْ رُخْصَةً»، قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَمُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ، فَقَالَ لَهُمَا: كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وقَبِيصَةُ فِي صُحْبَتِهِ خِلَافٌ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» إلَى آخِرِهِ، قَالَ: ثُمَّ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ، فَجَلَدَهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ»، انْتَهَى.
وَزَادَ فِي لَفْظٍ: فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ، وَأَنَّ الْحَدَّ قَدْ رُفِعَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ»، فَكَانَ نَسْخًا، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَاجْلِدُوهُ»، إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخَبَرُ سَمِعَهُ أَبُو صَالِحٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَمِنْ أَبِي سَعِيدٍ مَعًا، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنْبَأَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ قُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، وَزَادَ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ لَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ جُلِدَ فِيهِ ثَلَاثًا، فَلَكُمْ عَلَيَّ، الْحَدِيثَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
وَحَدِيثُ جَرِيرٍ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
وَحَدِيثُ شُرَحْبِيلَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ أَوْسٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي نِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ.
وَحَدِيثُ غُطَيْفٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ غُطَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ»، انْتَهَى.
لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَتْلَ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَى غُطَيْفٌ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ الشَّرِيدِ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْحَدِّ مِنْ الْخَمْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَسْخِ الْقَتْلِ، لَكِنَّهُ أَعَادَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ، وَذَكَرَ نَسْخَ الْقَتْلِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُحَدُّ) وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رِيحُهَا وَالسُّكْرُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُحَدُّ، فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ، غَيْرَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا، وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: يَقُولُونَ لِي إنَّك شَرِبْتَ مُدَامَةً فَقُلْتُ لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ وَلِأَنَّ قِيَامَ الْأَثَرِ مِنْ أَقْوَى دَلَالَةِ الْقُرْبِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ وَإِنَّمَا تَشْتَبِهُ عَلَى الْجُهَّالِ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْجَابِرِ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخٍ لَهُ سَكْرَانَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: تَرْتِرُوهُ، وَمَزْمِزُوهُ، وَاسْتَنْكِهُوهُ، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ، ثُمَّ عَادَ بِهِ مِنْ الْغَدِ، وَدَعَا بِسَوْطٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِثَمَرَتِهِ فَدُقَّتْ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى صَارَتْ دُرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اجْلِدْ، وَارْجِعْ تِلْكَ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَابِرِ بِهِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَقَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَحْسَنْتَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إذْ وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ؟ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ وَفِي لَفْظٍ: رِيحَ شَرَابٍ الْحَدَّ تَامًّا،انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَحَدُّ الشُّرْبِ، ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ.
قُلْت: تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ هُوَ سَكْرَانُ فَذَهَبُوا بِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ كَبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَالشَّاهِدُ لَا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِهِ.
(وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى أَعْرَابِيٍّ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ، وَسَنُبَيِّنُ الْكَلَامَ فِي حَدِّ السُّكْرِ وَمِقْدَارِ حَدِّهِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى أَعْرَابِيٍّ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عُمَرَ نَبِيذًا فَسَكِرَ، فَضَرَبَهُ الْحَدّ، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا لَا يَثْبُتُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إنَّمَا شَرِبْتُهُ مِنْ إدَاوَتِك، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّمَا جَلَدْنَاك عَلَى السُّكْرِ، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةَ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَعِيدُ بْنُ ذِي لَعْوَةَ عَنْ عُمَرَ فِي النَّبِيذِ يُخَالِفُ النَّاسَ فِي حَدِيثِهِ، لَا يُعْرَفُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَعِيدُ بْنُ حَدَّانَ، وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: سَعِيدٌ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرَ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ. انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَايَرَ رَجُلًا فِي سَفَرٍ، وَكَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا أَفْطَرَ أَهْوَى إلَى قِرْبَةٍ لِعُمَرَ مُعَلَّقَةٍ، فِيهَا نَبِيذٌ فَشَرِبَ مِنْهَا، فَسَكِرَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ الْحَدَّ، فَقَالَ: إنَّمَا شَرِبْتُ مِنْ قِرْبَتِك، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا جَلَدْنَاك لِسُكْرِك، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَصْحَابَهُ شَرِبُوا شَرَابًا، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ حَدَدْتُهُمْ، قَالَ السَّائِبُ: فَأَنَا شَهِدْتُ عُمَرَ حَدَّهُمْ، انْتَهَى يُنْظَرُ الْأَطْرَافُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ أَنَّ رَجُلًا عَبَّ فِي شَرَابِ نَبِيذٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَكِرَ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ حَتَّى أَفَاقَ، ثُمَّ حَدَّهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُد عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذِ تَمْرٍ، فَجَلَدَهُ»، انْتَهَى.
وَعِمْرَانُ بْنُ دَاوُد بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْوَاوِ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْقَطَّانِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهِ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَقَالَ لَهُ: مَا شَرَابُك؟ قَالَ: تَمْرٌ وَزَبِيبٌ، فَقَالَ: لَا تَخْلِطُوهُمَا جَمِيعًا، يَكْفِي أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ»، انْتَهَى.
أَثَرٌ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عَلِيٍّ نَبِيذًا بِصِفِّينَ، فَسَكِرَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي السُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ ثَمَانُونَ، انْتَهَى.
(وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا) لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ، وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ أَوْ اضْطِرَارٍ.
(وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا) لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ، وَكَذَا شُرْبُ الْمُكْرَهِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْإِزْجَارِ.
(وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ) ثُمَّ يُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ.
وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مَرَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ سَوْطًا) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا عُرِفَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ ثَمَانُونَ سَوْطًا فِي الْحُرِّ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: «كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إلَيْهِ بِأَيْدِينَا، وَنِعَالِنَا، وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إذْ عَتَوَا وَفَسَقُوا، جَلَدَ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
حَدِيثُ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنْ الرِّيفِ وَالْقُرَى، قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ، قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِالثَّمَانِينَ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ عَلَى عُمَرَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَرَى أَنْ نَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ، فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ، فَاجْعَلْهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى.
وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ الشُّرَّابَ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَجُلِدَ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَاوَرَ النَّاسَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ، وَقَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَرِبُوهَا وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّ السَّكْرَانَ إذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَاجْعَلْهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَجَعَلَهُ عُمَرُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى.
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الثَّمَانِينَ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ الْأَفْرِيقِيُّ عَنْ جَمِيلِ بْنِ كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ بَسْقَةَ خَمْرٍ، فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
وَأَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّضْعِيفِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، فَقَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ لَا يَثْبُتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: «مَنْ شَرِبَ بَسْقَةَ خَمْرٍ فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ ثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُد أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَضَرَبَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ»، فَهَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدًّا، وَإِلَّا لَمَا تَجَاوَزَتْهُ الصَّحَابَةُ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ زَجْرًا وَعُقُوبَةً، فَبَلَغَ ضَرْبُهُ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ، فَلَمَّا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ أَلْحَقُوهُ بِأَخَفِّ الْحُدُودِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا كُنْت أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فِيهِ، فَأَجِدُ مِنْهُ فِي نَفْسِي، إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ، انْتَهَى.
(وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ السُّكْرِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
(وَيَثْبُتُ الشُّرْبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) وَيَثْبُتُ (بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي السَّرِقَةِ، وَسَنُبَيِّنُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) لِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ وَتُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ.
(وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ).
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْتَلِطُ كَلَامُهُ) لِأَنَّهُ هُوَ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ، وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَلَهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَنِهَايَةُ السُّكْرِ أَنْ يَغْلِبَ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبُهُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدَحِ الْمُسْكِرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ.
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتَبِرُ ظُهُورَ أَثَرِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ، وَهَذَا مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ.
(وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيَحْتَالُ لِدَرْئِهِ، لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السَّكْرَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَكُونُ رِدَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.